[center]بقلم الدكتور : نادر نور الدين محمد
تشهد استخدامات المياه في مصر ضغوطا متزايدة في ظل محدودية مواردنا المائية وآمالنا الطموحة في توسعة وزيادة مساحاتنا الزراعية وعدد مصانعنا إضافة إلى ضغط الزيادة السكانية وزيادة طلب المنازل على المياه. ولاشك أن النشاط الزراعي في مصر يستهلك الجزء الأكبر من حصتنا المائية بنسبة تصل إلى 88% من مواردنا المائية وهي نسبة قد تبدوا عالية في رقمها إلا أنها متناسقة مع نسب استخدامات الموارد المائية سواء في الدول المحيطة أو القارة الأفريقية والعالم.
فطبقا لتقارير التنمية للبنك الدولي من عام 93 وحتى 2003 والمعهد الدولي للموارد بشأن الدول الزراعية التي تجري بها أنهارا مماثلة لمصر، تبلغ نسبة استخدامات المياه في الزراعة في العراق 92 % واليمن 93% والمغرب 94% ولبنان 85% وسوريا 83% وتونس 80%، وأن المتوسط العام لنسبة المياه المستخدمة في الزراعة في العالم العربي 87% مقابل 88% لدول قارة أفريقيا و86% لقارة أسيا مقابل 70% لدول العالم المتقدم. كما أن استخدامات المياه في الأغراض المنزلية تسجل 7% في مصر مقابل 6% للمنطقة العربية و7% لقارة أفريقيا و 6% لأسيا و 8% للعالم. وتسجل استخدامات المياه في القطاع الصناعي نسبة 5% في مصر مقابل 7% للمنطقة العربية و 5% لأفريقيا و 8% لآسيا و 23% في العالم. واتجاهنا لتوفير المزيد من المياه لمختلف القطاعات الزراعية والصناعية والمنزلية يجب أن تسير في اتجاهي زيادة مواردنا المائية مع ترشيد الاستهلاك القائم في مختلف هذه القطاعات. وترشيد الاستهلاك المائي في القطاع الزراعي يسير في اتجاهات تقليص مساحات زراعات الأرز والقصب والتوسع في استخدام الري المقنن في الأراضي المستصلحة ثم التفكير في تحويل الزراعات البستانية الحالية والتى تقدر بحوالي 650 ألف فدان إلى تقنيات الري الشحيح بالتنقيط. وتشير الحقائق إلى أن القيمة المضافة (العائد الصافي) من استخدامات المياه لمحصولي الأرز وقصب السكر متدنية جدا وتبلغ 0.13 و 0.15 جنية لكل متر مكعب من المياه مقابل 0.35 جنيه لبنجر السكر و 0.38 للذرة الصفراء و 0.44 للبطاطس و 0.82 للقمح والطماطم (البنك الدولي). إلا أن العائد الاقتصادي لاستخدامات المياه ليس هو المتحكم الوحيد في الزراعة بل هناك العديد من العوامل التي يجب أن تراعي بعناية تامة بخلاف البعد الاجتماعي. فلدينا في الدلتا ما يزيد عن 2 مليون فدان أراض ملحية وماء جوفي مقتحم تماما بمياه البحر المتوسط المالحة والذي يزيد من المساحة المفقودة بالتمليح سنويا، وزراعات الأرز تمثل الوسيلة الوحيدة ذات العائد الاقتصادي المربح في محاربة هذا التمليح سواء للتربة أو الماء الجوفي دون نفقات استصلاح، أما بالنسبة لقصب السكر فإلى جانب الخبرة المتوارثة للعمالة في زراعات القصب عبر مئات السنين فهناك العديد من الصناعات القائمة على زراعة القصب مثل المولاس والخل والعسل الأسود والمقشات والكحول والسكر البني والطينة البنية وهذه المجالات تستوعب عددا كبيرا من العمالة إضافة إلى أن إحلال زراعات بنجر السكر للقصب في محافظات الصعيد يتطلب أعباء اقتصادية كبيرة منها تغيير كافة معدات وآلات تصنيع السكر من القصب إلى آلات ومعدات لاستخلاص السكر من البنجر كما أن الحجم الكبير لورقة نبات بنجر السكر سوف تؤدي إلي فقدان كميات كبيرة من المياه بالنتح في مناخ الصعيد الحار إضافة إلى الشك في نجاحات زراعات البنجر في محافظات الصعيد لكونه من محاصيل المناطق الباردة لسوريا وأوروبا وتركيا وكندا وأمريكا وشمال الدلتا في مصر وأن البرودة هي التى تتحكم في نسبة الحلاوة (السكر) في البنجر وهو ما لن يتوفر في مناخ الصعيد الحار. ثم يأتي البديل الثاني في تحويل زراعات البساتين القائمة من نظام الري بالغمر إلى نظام الري بالتنقيط وهو ما سيؤدي إلى فقد هذه البساتين تماما فالخبرة العملية في الزراعة تؤكد أنه لا يمكن تحويل الأشجار التي تروي بالغمر إلى نظام الري بالتنقيط إذا ما تجاوز عمرها من 3 – 5 سنوات لأن الري بالغمر أدى إلى تعمق جذور هذه الأشجار وبالتالي فإن تحويلها للري بالتنقيط ذات التأثير السطحي سيؤدي إلى عدم وصول مياه التنقيط السطحية إلي الجذور التي تعمقت فعلا وبالتالي نفقد هذه الزراعات. ثم يأتي بعد ذلك ترشيد الطلب على المياه المنزلية بتقليل معدل الزيادة السكانية خاصة في الريف المصري وهذا لن يتأتى إلا بزيادة نسبة التعليم في الريف وخروج عدد كبير من المتعلمين للعمل في القطاعين الصناعي والتجاري والذي يزيد فيه دخل الفرد من 6 إلى 10 أضعاف عن دخل الفرد في القطاع الزراعي (تقارير البنك الدولي والمعهد الدولي للموارد) فالفلاح المصري يعتقد أن الأولاد رأس مال هام ومصدر من مصادر دخله في القطاع الزراعي ويعمل على ألا يقل إنجابه عن ستة أبناء توفر عليه مبلغ مائة جنيها يوميا نفقات ست عمال أجيرة للعمل في أرضة أو تجلب له مائة جنيه يوميا عند العمل في أراضي الغير!! وهذا ما يؤكد حاجتنا إلى الاقتراب أكثر من الفلاح المصري وفهم سلوكه ثم محاولة إيجاد الحلول المقنعة لاقتصادياته.
ولا يتبقى لنا في النهاية إلا البدء أولا في زيادة مواردنا المائية من استخدام السلالات الزراعية قصيرة العمر التى توفر 25% من استهلاك المياه في الزراعة ثم العمل في قناة العطمور على الحدود المصرية السودانية قبل بحيرة السد والتى يمكن أن توفر لنا ما يقرب من 17 مليار متر مكعب سنويا ثم البدء في تجميع مياه المستنقعات في جنوب السودان والتي تفقد من 15 إلى 37 مليار متر مكعب سنويا ثم قناة جونجلي وتقليل الفقد بالتبخير وحسن اختيار الزراعات القائمة.
أ.د نادر نور الدين محمد
كلية الزراعة جامعة القاهرة
تشهد استخدامات المياه في مصر ضغوطا متزايدة في ظل محدودية مواردنا المائية وآمالنا الطموحة في توسعة وزيادة مساحاتنا الزراعية وعدد مصانعنا إضافة إلى ضغط الزيادة السكانية وزيادة طلب المنازل على المياه. ولاشك أن النشاط الزراعي في مصر يستهلك الجزء الأكبر من حصتنا المائية بنسبة تصل إلى 88% من مواردنا المائية وهي نسبة قد تبدوا عالية في رقمها إلا أنها متناسقة مع نسب استخدامات الموارد المائية سواء في الدول المحيطة أو القارة الأفريقية والعالم.
فطبقا لتقارير التنمية للبنك الدولي من عام 93 وحتى 2003 والمعهد الدولي للموارد بشأن الدول الزراعية التي تجري بها أنهارا مماثلة لمصر، تبلغ نسبة استخدامات المياه في الزراعة في العراق 92 % واليمن 93% والمغرب 94% ولبنان 85% وسوريا 83% وتونس 80%، وأن المتوسط العام لنسبة المياه المستخدمة في الزراعة في العالم العربي 87% مقابل 88% لدول قارة أفريقيا و86% لقارة أسيا مقابل 70% لدول العالم المتقدم. كما أن استخدامات المياه في الأغراض المنزلية تسجل 7% في مصر مقابل 6% للمنطقة العربية و7% لقارة أفريقيا و 6% لأسيا و 8% للعالم. وتسجل استخدامات المياه في القطاع الصناعي نسبة 5% في مصر مقابل 7% للمنطقة العربية و 5% لأفريقيا و 8% لآسيا و 23% في العالم. واتجاهنا لتوفير المزيد من المياه لمختلف القطاعات الزراعية والصناعية والمنزلية يجب أن تسير في اتجاهي زيادة مواردنا المائية مع ترشيد الاستهلاك القائم في مختلف هذه القطاعات. وترشيد الاستهلاك المائي في القطاع الزراعي يسير في اتجاهات تقليص مساحات زراعات الأرز والقصب والتوسع في استخدام الري المقنن في الأراضي المستصلحة ثم التفكير في تحويل الزراعات البستانية الحالية والتى تقدر بحوالي 650 ألف فدان إلى تقنيات الري الشحيح بالتنقيط. وتشير الحقائق إلى أن القيمة المضافة (العائد الصافي) من استخدامات المياه لمحصولي الأرز وقصب السكر متدنية جدا وتبلغ 0.13 و 0.15 جنية لكل متر مكعب من المياه مقابل 0.35 جنيه لبنجر السكر و 0.38 للذرة الصفراء و 0.44 للبطاطس و 0.82 للقمح والطماطم (البنك الدولي). إلا أن العائد الاقتصادي لاستخدامات المياه ليس هو المتحكم الوحيد في الزراعة بل هناك العديد من العوامل التي يجب أن تراعي بعناية تامة بخلاف البعد الاجتماعي. فلدينا في الدلتا ما يزيد عن 2 مليون فدان أراض ملحية وماء جوفي مقتحم تماما بمياه البحر المتوسط المالحة والذي يزيد من المساحة المفقودة بالتمليح سنويا، وزراعات الأرز تمثل الوسيلة الوحيدة ذات العائد الاقتصادي المربح في محاربة هذا التمليح سواء للتربة أو الماء الجوفي دون نفقات استصلاح، أما بالنسبة لقصب السكر فإلى جانب الخبرة المتوارثة للعمالة في زراعات القصب عبر مئات السنين فهناك العديد من الصناعات القائمة على زراعة القصب مثل المولاس والخل والعسل الأسود والمقشات والكحول والسكر البني والطينة البنية وهذه المجالات تستوعب عددا كبيرا من العمالة إضافة إلى أن إحلال زراعات بنجر السكر للقصب في محافظات الصعيد يتطلب أعباء اقتصادية كبيرة منها تغيير كافة معدات وآلات تصنيع السكر من القصب إلى آلات ومعدات لاستخلاص السكر من البنجر كما أن الحجم الكبير لورقة نبات بنجر السكر سوف تؤدي إلي فقدان كميات كبيرة من المياه بالنتح في مناخ الصعيد الحار إضافة إلى الشك في نجاحات زراعات البنجر في محافظات الصعيد لكونه من محاصيل المناطق الباردة لسوريا وأوروبا وتركيا وكندا وأمريكا وشمال الدلتا في مصر وأن البرودة هي التى تتحكم في نسبة الحلاوة (السكر) في البنجر وهو ما لن يتوفر في مناخ الصعيد الحار. ثم يأتي البديل الثاني في تحويل زراعات البساتين القائمة من نظام الري بالغمر إلى نظام الري بالتنقيط وهو ما سيؤدي إلى فقد هذه البساتين تماما فالخبرة العملية في الزراعة تؤكد أنه لا يمكن تحويل الأشجار التي تروي بالغمر إلى نظام الري بالتنقيط إذا ما تجاوز عمرها من 3 – 5 سنوات لأن الري بالغمر أدى إلى تعمق جذور هذه الأشجار وبالتالي فإن تحويلها للري بالتنقيط ذات التأثير السطحي سيؤدي إلى عدم وصول مياه التنقيط السطحية إلي الجذور التي تعمقت فعلا وبالتالي نفقد هذه الزراعات. ثم يأتي بعد ذلك ترشيد الطلب على المياه المنزلية بتقليل معدل الزيادة السكانية خاصة في الريف المصري وهذا لن يتأتى إلا بزيادة نسبة التعليم في الريف وخروج عدد كبير من المتعلمين للعمل في القطاعين الصناعي والتجاري والذي يزيد فيه دخل الفرد من 6 إلى 10 أضعاف عن دخل الفرد في القطاع الزراعي (تقارير البنك الدولي والمعهد الدولي للموارد) فالفلاح المصري يعتقد أن الأولاد رأس مال هام ومصدر من مصادر دخله في القطاع الزراعي ويعمل على ألا يقل إنجابه عن ستة أبناء توفر عليه مبلغ مائة جنيها يوميا نفقات ست عمال أجيرة للعمل في أرضة أو تجلب له مائة جنيه يوميا عند العمل في أراضي الغير!! وهذا ما يؤكد حاجتنا إلى الاقتراب أكثر من الفلاح المصري وفهم سلوكه ثم محاولة إيجاد الحلول المقنعة لاقتصادياته.
ولا يتبقى لنا في النهاية إلا البدء أولا في زيادة مواردنا المائية من استخدام السلالات الزراعية قصيرة العمر التى توفر 25% من استهلاك المياه في الزراعة ثم العمل في قناة العطمور على الحدود المصرية السودانية قبل بحيرة السد والتى يمكن أن توفر لنا ما يقرب من 17 مليار متر مكعب سنويا ثم البدء في تجميع مياه المستنقعات في جنوب السودان والتي تفقد من 15 إلى 37 مليار متر مكعب سنويا ثم قناة جونجلي وتقليل الفقد بالتبخير وحسن اختيار الزراعات القائمة.
أ.د نادر نور الدين محمد
كلية الزراعة جامعة القاهرة